وأحسن كما أحسن الله إليك ..
«وبسبب المنحة التعليمية التي تلقاها من النبيل الثري، قدم ابن الفلاح الفقير بدوره هدية للعالم بأسره، لقد اكتشف البنسلين!».
قبل أن يسأل سائلٌ عن علاقة هذه المقدمة بعنوان المقالة، وقبل أن يستغرب أحدهم حديثي عن دواء البنسلين في مقالةٍ عنوانها عن الإحسان، ولأن الشيء بالشيء يُذكر؛ أدعوكم جميعًا لقراءة الأسطر القادمة.
حدث ذلك منذ عقود مضت في اسكتلندا، «النجدة، النجدة! هلا ساعدني أحد»، انطلقت تلك الصيحات من مستنقع قريب، سمعها فلاح اسكتلندي فقير، وانطلق نحو منطقة المستنقع الخطيرة لمد يد العون، وهناك وجد فتى يغوص في طين أسود كثيف، كان أوان إنقاذ الطفل كاد يفوت، ولكن تم إنقاذه بمساعدة الفلاح. وفي اليوم التالي، سمع صوت طرق على باب كوخ الفلاح، وعندما فتح بابه، وجد أمامه سيدًا ثريًا، ربما من الأسرة المالكة، وصل في مركبة فخمة، تساءل الفلاح المسكين في حيرة عن السبب الذي يجعل شخصًا له مثل هذه المكانة المرموقة الواضحة أن يأتي إليه، وكان الرد على تساؤله سريعًا «لقد أنقذت ابني بالأمس، وأنا هنا لأعطيك مكافأة»، إلا أن الفلاح لم يقبل المال الذي عرضه عليه صاحب المكانة السامية، نظر السيد الغني، الراغب بشدة في إعطاء هدية تعبر عن امتنانه، في أنحاء المسكن المتواضع، ووجد فيه فتىً صغيرًا، حينها قال «حيث إنك ساعدت ولدي؛ فإنني سأساعد ابنك بالمثل، إذا سمحت لي باصطحاب ابنك معي، فسأحرص على أن يتلقى أرقى تعليم ممكن في البلاد»، ابتسم الفلاح الفقير وقبل بالعرض، وحافظ النبيل الثري على وعده الكريم، وتخرج ابن الفلاح الاسكتلندي بعد ذلك من كلية طب مستشفى سانت ماري في لندن. «وبسبب المنحة التعليمية التي تلقاها من النبيل الثري؛ قدم ابن الفلاح الفقير بدوره هدية للعالم بأسره، لقد اكتشف البنسلين!»، إنه العالم ألكسندر فليمنج! ومن غريب الصدفة أن ابن الرجل الثري قد تعرضت حياته للخطر بعد إصابته بالتهابِ رئوي، ليأتي الدور على ابن الرجل الفقير العالم فليمنج ليعالجه ويصف له البنسلين كدواء!
هنا يتجلى الإحسان في أبهى صوره، حيث رأينا أن الإحسان لا يتطلب معجزةً أو ثروةً هائلة أو عملاً خارقًا أو حدثًا غير عادي؛ بل يحتاج قرارًا من داخلنا، هذا القرار الذي نتخذه قد يكون هديتنا إلى العالم!
في معجم العرب نجد أن معنى الإحسان هو نفع الخلق أو إتقان العمل وهو ضد الإساءة، وهناك الكثير من المرادفات اللغوية لكلمة الإحسان منها الإنعام والفضل والصدقة والمعروف والزكاة والبر والمنة والإتقان والإجادة وغيرها الكثير، أما في القرآن الكريم فقد حملت كلمة الإحسان العديد من المعاني السامية منها «مقام الإحسان» وهو أعلى مقامات الدين حيث يروي أبو هريرة عن النبي –صلى الله عليه وسلم– قوله عندما سُئل عن الإحسان فقال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»، ويأتي الإحسان في القرآن أيضًا بمعنى السعادة والإخلاص والتفضيل وغيرها، ورغم كثرة هذه المعاني لكلمة الإحسان إلا أنها جميعها تصب في المعنى الأشمل ألا وهو الاتقان والنفع وعدم الإساءة.
كقاعدة، لا تنتظر فرصةً ذهبيةً أو حاجة الآخرين إليك لأجل أن تكون محسنًا؛ بل اصنع الصُدف والفرص، وبادر واتخذ القرار، واجعلها سلسلة لا تتوقف؛ بل اجعلها عدوى وانقلها لغيرك، فالحياة بها أوقات من الوحشة وأوقات من البهجة، والأيام دُول، ولا بد أن إحسانك سيرتد إليك يوماً ما، بل وربما تكون بحاجة إليه في تقلبات هذه الحياة، وكما يقول فلورنس شين «لعبة الحياة أشبه بلعبة القذائف المرتدة. إن أفكارنا وكلماتنا وأفعالنا تعود إلينا بكل دقة عاجلاً أم آجلاً».
يقول أحدهم «ذلك اليوم الذي لم أُحسن فيه إلى أحد، ولو بشيءٍ بسيط؛ هو يومٌ أبترٌ من أيام حياتي، كم أتمنى انقضاءه سريع،ًا وكم أرجو من الله أن يسامحني عليه».
إن الإحسان كما قلنا لا يتطلب وقتًا وأيضًا لا يحتاج إلى إذنٍ من أحد، فقط انظر من حولك، ستجد الإحسان في قوله تعالى «وبالوالدين إحسانًا»، وفي قول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا»، وفي تسابق سيدنا أبو بكر الصديق والفاروق عمر بن الخطاب في خدمة وتفقد تلك العجوز العمياء كل ليلة، ستجده أيضًا في ابتسامة رقيقة يرسمها أحدهم على محياه ليخبر من حوله أن الحياة لا تزال بخير، ستجده في تلك الكلمة الطيبة التي تترك أثرًا في القلوب كوقع الغمام، وفي ذلك الذي يزرع فعل الخير في كل طريق يمر بها، ستجد الإحسان بكل تأكيد في كل فعل نبيلٍ ينقش السكينة والطمأنينة على جدار القلب.
بقلم : مصعب عماد المبيض 📝
المصدر : Sasapost
تعليقات
إرسال تعليق
أسعدني مرورك ..